الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (67): {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}{هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ اليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِرًا} تنبيه على تفرده تعالى بالقدرة الكاملة والنعمة الشاملة ليدلهم على توحده سبحانه باستحقاق العبادة فتعريف الطرفين للقصر وهو قصر تعيين، وفي ذلك أيضًا تقرير لما سلف من كون جميع الموجودات الممكنة تحت قدرته وملكته المفصح عن اختصاص العزة به سبحانه.والجعل إن كان عنى الإبداع والخلق فمبصرًا حال وإن كان عنى التصيير فلكم المفعول الثاني أو حال كما فيي الوجه الأول فالمفعول الثاني {لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} أو هو محذوف يدل عليه المفعول الثاني من الجملة الثانية كما أن العلة الغائية منها محذوفة اعتمادًا على ما في الأولى، والتقدير هو الذي جعل لكم الليل مظلمًا لتسكنوا فيه والنهار مبصرًا لتتحركوا فيه لمصالحكم فحذف من كل ما ذكر في الآخر اكتفاءً بالمذكور عن المتروك؛ وفيه على هذا صنعة الاحتباك والآية شائعة في التمثيل بها لذلك وهو الظاهر فيها وإن كان أمرًا غير ضروري، ومن هنا ذهب جمع إلى أنه لا احتباك فيها، والعدول عن لتبصروا فيه الذي يقتضيه ما قبل إلى ما في النظم الجليل للتفرقة بين الظرف المجرور والظرف الذي هو سبب يتوقف عليه في الجملة وإسناد الإبصار إلى النهار مجازي كالذي في قول جرير:وقولهم: نهاره صائم وغير ذلك مما لا يحصي كثرة. وإلى هذا ذهب ابن عطية. وجماعة، وقيل: إن {مُبْصِرًا} للنسب كلابن وتامر أي ذا إبصار {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي في الجعل المذكور أو في الليل والنهار، وما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه وعلو رتبته {لايات} أي حججًا ودلالات على توحيد الله تعالى كثيرة أو آيات أخر غير ما ذكر {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي الحجج مطلقًا سماع تدبر واعتبار أو يسمعون هذه الآيات المتلوة ونظائرها المنبهة على تلك الآيات التكوينية الآمرة بالتأمل فيها ذلك السماع فيعملون قتضاها، وتخصيص هؤلاء بالذكر مع أن الآيات منصوبة لمصلحة الكل لما أنهم المنتفعون بها. .تفسير الآية رقم (68): {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}{قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} شروع في ذكر ضرب آخر من أباطيل المشركين وبيان بطلانه، والمراد بهؤلاء المشركين على ما قيل: كفار قريش والعرب فإنهم قالوا: الملائكة بنات الله تعالى، واليهود والنصارى القائلون: عزير وعيسى عليهما السلام ابناه عز وجل والاتخاذ صريح في التبني، وظاهر الآية يدل على أن ذلك قول كل المشركين وإذا ثبت أن منهم من يقول بالولادة والتوليد حقيقة كان ما هنا قول البعض ولينظر هل يجري فيه احتمال إسناد ما للبعض للكل لتحقق شرطه أم لا يجري لفقد ذلك والولد يستعمل مفردًا وجمعًا.وفي القاموس الولد محركة وبالضم والكسر والفتح واحد وجمع وقد يجمع على أولاد وولدة وإلدة بالكسر فيهما وولد الضم وهو يشمل الذكر والأنثى {سبحانه} تنزيه وتقديس له تعالى عما نسبوا إليه على ما هو الأصل في معنى سبحانه وقد يستعمل للتعجب مجازًا ويصح إرادته هنا، والمراد التعجب من كلمتهم الحمقى، وجمع بعضهم بين التنزيه والتعجب ولعله مبني على أن التعجب معنى كنائي وأنه يصح إرادة المعنى الحقيقي في الكناية وهو أحد قولين في المسألة، وقيل: إنه لا يلزم استفادة معنى التعجب منه باستعمال اللفظ فيه بل هو من المعاني الثواني، وقوله سبحانه: {هُوَ الغنى} أي عن كل شيء في كل شيء علة لتنزهه تعالى وتقدس عن ذلك وإيذان بأن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة وهي التقوى أو بقاء النوع مثلًا، وقوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} أي من العقلاء وغيرهم تقرير لمعنى الغنى لأن المالك لجميع الكائنات هو الغني وما عداه فقير، وقيل: هو علة أخرى للتنزه عن التبني لأنه ينافي المالكية، وقوله جل شأنه: {إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ} أي حجة {بهذا} أي بما ذكر من القول الباطل توضيح لبطلانه بتحقيق سلامة ما أقيم من البرهان الساطع عن المعارض والمنافي فإن نافية و{مِنْ} زائدة لتأكيد النفي ومجرورها مبتدأ والظرف المقدم خبره أو مرتفع على أنه فاعل له لاعتماده على النفي وب {بهذا} متعلق إما بسلطان لأنه عنى الحجة كما سمعت وإما حذوف وقع صفة له، وقيل: وقع حالًا من الضمير المستتر في الظرف الراجع إليه وإما بما في {عِندَكُمْ} من معنى الاستقرار، ويتعين على هذا كون {سلطان} فاعلًا للظرف لئلا يلزم الفصل بين العامل المعنوي ومتعلقه بأجنبي، والالتفات إلى الخطاب لمزيد المبالغة في الإلزام والإفحام وتأكيد ما في قوله تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من التوبيخ والتقريع على جهلهم واختلاقهم، وفي الآية دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لابد لها من قاطع وأن التقليد عزل من الاهتداء ولا تصلح متمسكًا لنفي القياس والعمل بخبر الآحاد لأن ذلك في الفروع وهي مخصوصة بالأصول لما قام من الأدلة على تخصيصها وإن عم ظاهرها..تفسير الآية رقم (69): {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)}{قُلْ} تلوين للخطاب وتوجيه له إلى سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ليبين سوء مغبتهم ووخامة عاقبتهم وفي ذلك إنذار لهم عن الاستمرار على ما هم فيه ولغيرهم عن الوقوع في مثله {إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب} في كل أمر ويدخل الافتراء بنسبة الولد والشريك إليه تعالى دخولًا أوليًا وهو أولى من الاقتصار على ما الكلام فيه، وحينئذٍ فالمراد بالموصول ما يعم أولئك المخاطبين وغيرهم، أي إن من تكون هذه صفتهم كائنًا ما كانوا {لاَ يُفْلِحُونَ} لا ينجون من مكروه ولا يفوزون طلوب أصلًا ويندرج في ذلك عدم النجارة من النار وعدم الفوز بالجنة والاقتصار عليه في مقام المبالغة في الزجر عن الافتراء عليه سبحانه دون التعميم في المناسبة..تفسير الآية رقم (70): {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بما كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}{متاع فِي الدنيا} خبر مبتدأ محذوف أي هو أو ذلك متاع، والتنوين للتحقير والتقليل، والظرف متعلق بما عنده أو حذوف وقع نعتًا له، والجملة كلام مستأنف سيق جوابًا لسؤال مقدر عما يتراءى فيهم بحسب الظاهر من نيل المطالب والفوز بالحظوظ الدنيوية على الإطلاق أو في ضمن افترائهم وبيانًا لأن ذلك عزل من أن يكون من جنس الفلاح كأنه قيل: كيف لا يفلحون وهم في غبطة ونعيم؟ فقيل: هو أو ذلك متاع حقير قليل في الدنيا وليس بفوز بالمطلوب، ثم أشير إلى انتفاء النجاة عن المكروه أيضًا بقوله سبحانه: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} أي إلى حكمنا رجوعهم بالموت فيلقون الشقاء المؤبد {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بما كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بسبب كفرهم المستمر أو بكفرهم في الدنيا فأين هم من الفلاح وما ذكرنا من كون متاع خبر مبتدأ محذوف هو الذي ذهب إليه غير واحد من المعربين، غير أن أبا البقاء وآخرين منهم قدروا المبتدأ حياتهم أو تقلبهم أو افتراؤهم، واعترض على تقدير الأخير بأن المتاع إنما يطلق على ما يكون مطبوعًا عند النفس مرغوبًا فيه في نفسه يتمتع به وينتفع وإنما عدم الاعتداد به لسرعة زواله، ونفس الافتراء عليه سبحانه أقبح القبائح عند النفس فضلًا عن أن يكون مطبوعًا عندها. وأجيب بأن إطلاق المتاع على ذلك باعتبار أنه مطبوع عند نفوسهم الخبيثة وفيه انتفاع لهم به حسا يرونه انتفاعًا وإن كان من أقبح القبائح وغير منتفع به في نفس الأمر، ولا يخفى أن الوجه الأول مع هذا أوجه، وقيل: إن المذكور مبتدأ محذوف الخبر أي لهم متاع إلخ وليس ببعيد، والآية إما مسوقة من جهته سبحانه لتحقيق عدم إفلاحهم غير داخلة في الكلام المأمور به وهو الذي يتقضيه ظاهر قوله سبحانه: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} وقوله تعالى: {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ} وإما داخلة فيه على أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بنقله وحكايته عنه تعالى شأنه وله نظائر في الكتاب العزيز..تفسير الآية رقم (71): {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)}{واتل عَلَيْهِمْ} أي على المشركين من أهل مكة وغيرهم لتحقيق ما سبق من عدم إفلاح المفترين وكون ما يتمتعون به على جناح الفوات وأنهم مشرفون على الشقاء المؤبد والعذاب الشديد {نَبَأَ نُوحٍ} أي خبره الذي له شأن وخطر مع قومه الذين هم أضراب قومك في الكفر والعناد ليتدبروا ما فيه مما فيه مزدجر فلعلهم ينزجرون عما هم عليه أو تنكسر شدة شكيمتهم ولعل بعض من يسمع ذلك منك ممن أنكر صحة نبوتك أن يعترف بصحتها فيؤمن بك بأن يكون قد ثبت عنده ما يوافق ما تضمنه المتلو من غير مخالفة له أصلًا فيستحضر أنك لم تسمع ذلك من أحد ولم تستفده من كتاب فلا طريق لعلمك به إلا من جهة الوحي وهو مدار النبوة.وفي ذلك من تقرير ما سبق من كون الكل لله سبحانه، واختصاص العزة به تعالى، وانتفاء الخوف على أوليائه وحزنهم، وتشجيع النبي صلى الله عليه وسلم وحمله على عدم المبالاة بهم وبأقوالهم وأفعالهم ما لا يخفى، والاقتصار على بعض ذلك قصور؛ وقد تقدم الكلام في نوح عليه السلام {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} اللام للتبليغ أو التعليل و{إِذْ} بدل من {نَبَأَ} بدل اشتمال أو معمولة له لا لاتل لفساد المعنى، وجوز أبو البقاء تعلقه حذوف وقع حالًا من {نَبَأَ} وأيًا ما كان فالمراد بعض نبئه عليه الصلاة والسلام لا كل ما جرى بينه وبين قومه وكانوا على ما قال الأجهوري من بني قابيل {لِقَوْمِهِ ياقوم إِن كَانَ كَبُرَ} أي عظم وشق {عَلَيْكُمْ مَّقَامِى} أي نفسي على أنه في الأصل اسم مكان وأريد منه النفس بطريق الكناية الإيمائية كما يقال المجلس السامي، ويجوز أن يكون مصدرًا ميميًا عنى الإقامة يقال: قمت بالمكان وأقمت عنى أي إقامتي بين ظهرانيكم مدة مديدة، وكونها ما ذكر الله تعالى ألف سنة إلا خمسين عامًا يقتضي أن يكون القول في آخر عمره ومنتهى أمره ويحتاج ذلك إلى نقل، أو المراد قيامه بدعوتهم وقريب منه قيامه لتذكيرهم ووعظهم لأن الواعظ كان يقوم بين من يعظهم لأنه أظهر وأعون على الاستماع كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائمًا وهم قعود، وكثيرًا ما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقوم على المنبر فيعظ الجماعة وهم قعود فيجعل القيام كناية أو مجازًا عن ذلك أو هو عبارة عن ثبات ذلك وتقرره {وَتَذْكِيرِى} إياكم {لَّهُ مَقَالِيدُ} الدالة على وحدانيته المبطلة لما أنتم عليه من الشرك {فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ} لا على غيره، والجملة جواب الشرط وهو عبارة عن عدم مبالاته والتفاته إلى استثقالهم، ويجوز أن تكون قائمة مقامه، وقيل: الجواب محذوف وهذا عطف عليه أي فافعلوا ما شئتم، وقيل: المراد الاستمرار على تخصيص التوكل به تعالى، ويجوز أن يكون المراد إحداث مرتبة مخصوصة من مراتب التوكل وإلا فهو عليه السلام متوكل عليه سبحانه لا على غيره دائمًا، وقوله سبحانه: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} عطف على الجواب المذكور عند الجمهور والفاء لترتيب الأمر بالإجماع على التوكل لا لترتيب نفس الإجماع عليه، وقيل: إنه الجواب وما سبق اعتراض وهو يكون بالفاء.ولعله أقل غائلة مما تقدم لما سمعته مع ما فيه من ارتكاب عطف الإنشاء على الخبر وفيه كلام. و{أَجْمَعُواْ} بقطع الهمزة وهو كما قال أبو البقاء من أجمعت على الأمر إذا عزمت عليه إلا أنه حذف حرف الجر فوصل الفعل، وقيل: إن أجمع متعد بنفسه واستشهد له بقول الحرث بن حلزة: ونص السدوسي على أن عدم الإتيان بعلى كأجمعت الأمر أفصح من الإتيان بها كأجمعت على الأمر، وقال أبو الهيثم: معنى أجمع أمره جعله مجموعًا بعد ما كان متفرقًا وتفرقته أن يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا فإذا عزم فقد جمع ما تفرق من عزمه ثم صار عنى العزم حتى وصل بعلى وأصله التعدية بنفسه، ولا فرق بين أجمع وجمع عند بعض، وفرق آخرون بينهما بأن الأول يستعمل في المعاني والثاني في الأعيان فيقال: أجمعت أمري وجمعت الجيش ولعله أكثري لا دائمي، والمراد بالأمر هنا نحو المكر والكيد {وَشُرَكَاءكُمْ} أي التي زعمتم أنها شركاء لله سبحانه وتعالى، وهو نصب على أنه مفعول معه من الفاعل لأن الشركاء عازمون لا معزوم عليهم، ويؤيد ذلك قراءة الحسن. وابن أبي إسحاق. وأبي عبد الرحمن السلمي. وعيسى الثقفي بالرفع فإن الظاهر أنه حينئذٍ معطوف على الضمير المرفوع المتصل ووجود الفاصل قائم مقام التأكيد بالضمير المنفصل.وقيل: إنه مبتدأ محذوف الخبر أي وشركاؤكم يجمعون ونحوه. وقيل: إن النصب بالعطف على {أَمَرَكُمُ} بحذف المضاف أي وأمر شركائكم بناءً على أن أجمع تتعلق بالمعاني والكلام خارج مخرج التهكم بناءً على أن المراد بالشركاء الأصنام، وقيل: إنه على ظاهره والمراد بهم من على دينهم. وجوز أن لا يكون هناك حذف والكلام من الإسناد إلى المفعول المجازي على حد ما قيل في {واسئل القرية} [يوسف: 82]، وقيل: إن ذاك على المفعولية به لمقدر كما قيل في قوله: أي وادعوا شركاءكم كما قرأ به أبي رضي الله تعالى عنه، وقرأ نافع {فَأَجْمِعُواْ} بوصل الهمزة وفتح الميم من جمع، وعطف الشركاء على الأمر في هذه القراءة ظاهر بناءً على أنه يقال: جمعت شركائي كما يقال: جمعت أمري، وزعم بعضهم أن المعنى ذوي أمركم وهو كما ترى، والمعنى أمرهم بالعزم والإجماع على قصده والسعي في إهلاكه على أي وجه يمكنهم من المكر ونحوه ثقة بالله تعالى وقلة مبالاة بهم، وليس المراد حقيقة الأمر {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ} ذلك {عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي مستورًا من غمه إذا ستره، ومنه حديث وائل ابن حجر «لا غمة في فرائض الله تعالى» أي لا تستر ولا تخفى وإنما تظهر وتعلن، والجار والمجرور متعلق بغمة، والمراد نهيهم عن تعاطي ما يجعل ذلك غمة عليهم فإن الأمر لا ينهى ويستلزم ذلك الأمر بالإظهار، فالمعنى أظهروا ذلك وجاهروني به فإن الستر إنما يصار إليه لسد باب تدارك الخلاص بالهرب أو نحوه فحيث استحال ذلك في حقي لم يكن للستر وجه، وكلمة {ثُمَّ} للتراخي في الرتبة، وإظهار الأمر في مقام الإضمار لزيادة التقرير، وقيل: أظهر لأن المراد به ما يعتريهم من جهته عليه السلام من الحال الشديدة عليهم المكروهة لديهم لا الأمر الأول، والمراد بالغمة الغم كالكربة والكرب، والجار والمجرور متعلق قدر وقع حالًا منها، وثم للتراخي في الزمان، والمعنى ثم لا يكن حالكم غمًا كائنًا عليكم وتخلصوا بهلاكي من ثقل مقامي وتذكيري بآيات الله تعالى، واعترض عليه بأنه لا يساعده قوله تعالى شأنه: {ثُمَّ اقضوا إِلَىَّ وَلاَ تُنظِرُونَ} أي أدوا إلى ذلك الأمر الذي تريدون ولا تمهلوني على أن القضاء من قضى دينه إذا أداه، ومفعوله محذوف كما أشرنا إليه وفيه استعارة مكنية والقضاء تخييل وقد يفسر القضاء بالحكم أي احكموا بما تؤدوه إلى ففيه تضمين واستعارة مكنية أيضًا لأن توسيط ما يحصل بعد الإهلاك بين الأمر بالعزم على مباديه وبين الأمر بقضائه من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه، والوجه الأول سالم عن ذلك وهو ظاهر، وقييل: المراد بالغمة المعنى الأول وبالأمر ما تقدم وبالنهي الأمر بالمشاورة أي أجمعوا أمركم ثم تشاوروا فيه وفيه بعد لعدم ظهور كلا الترتيبين الدالة عليهما ثم سواء اعتبرت قراءة الجماعة أو قراءة نافع في {أَجْمَعُواْ} وقرئ {أفضوا} إلى بالفاء أي انتهوا إلى بشركم أو ابرزوا إلى من أفضى إذا خرج إلى الفضاء كأبرز إذا خرج إلى البراز وهو المكان الواسع.
|